top of page

صنع ليلتصق: لماذا تحيا بعض الأفكار وتموت أخرى

 

المؤلف           تشيب هيث (Chip Heath) ودان هيث (Dan Heath)

دار النشر        راندوم هاوس - 2008

 

التقييم

 

 

لماذا تنتشر الأكاذيب وقصص المؤامرات والمخادعين بينما يفشل كثير من المفكرين والمعلمين والقادة فى توصيل أفكارهم. لماذا تلتصق بعض الأفكار في أذهاننا والبعض يخرج بمجرد الدخول؟ لماذا تستطيع قصص الخرافات والدجل والإشاعات التى ليس لها اساسا من الصحة أن تحل محل على الأخبار الصحيحة والحقائق الصادقة؟ كيف يمكن أن يتذكر الناس قصص الجان وطقوس طرد الأرواح والدجالين بهذه السهولة؟ لماذا تنتشر بعض القصص وتلتصق بالذاكرة ويمكنك تكرارها بعد مدة طويلة بأغلب التفاصيل الدقيقة، والبعض الآخر ينسى تماما بعد ساعات قليلة  وربما دقائق؟ لماذا على الرغم من المجهود الهائل الذى يبذله المعلمون لا يستطيعون مساعدة الطلاب على تذكر أغلب دروس التاريخ وأسماء الشخصيات، فى حين أن نفس الطالب يستطيع تذكر أحداث حلقات مسلسله المفضل كاملة وأسماء جميع شخصياته بدقة؟ لماذا تنفق الشركات مبالغ هائلة على التدريب، ثم يعود الموظفون بعدها إلى استخدام الأساليب القديمة مرة أخرى؟

الإجابة على كل ذلك، هو أن بعض الرسائل يتم تصميمها بطريقة تساعد على التصاقها بالذاكرة الأمر الذى يساعد على سهولة تذكرها وعدم نسيانها بسهولة. هذا التصميم يعتمد على ستة قواعد أساسية، إذا اردت أن تلتصق رسالتك بذاكرة من يستمعون إليها فيجب عليك مراعاتها عند تصميم رسالتك.

قواعد الإلتصاق الستة:

 

      1- البساطة.

      ليس المقصود بالبساطة هو أن تقول فكرتك بشكل مختصرا، او بجمل قصيرة. ولكن المقصد هنا هو أن تقوم بتجريد الفكرة الأساسية للموضوع               وجوهره. ولن تستطيع ذلك بغير أن تكون محترف فى الاقصاء، يجب أن تحدد أولوياتك بقسوة ولا تتهاون فى ذلك. يجب أن تكون الفكرة بسيطة               وعميقة. القاعدة الذهبية هى: جملة واحدة عميقة لدرجة أن يقضى المستمعين بقية حياتهم يتعلمون كيف يتبعونها.

  

      2- مخالفة التوقعات.

      حتى تستطيع أن تجذب انتباه المستمعين إلى فكرتك، وحتى تستطيــــــــع الاحتفاظ بهذا الانتباه حتى

      تنتهى من عرض فكرتك، تحتاج أن تخالف توقعاتهم، وأن تخالف البديهيات. يجب ان تفاجئهم لتوقظ

      انتباههم. ولكن المفاجأة لا تدوم فيجب عليك أن تستغل ذلك وتولـد اهتمامهم وفضولهم بشكل مستمر،

      عن طريق إنشاء فجوات فى معارفهم بشكل مستمر ثم تقوم بملء هذه الفجوات.

 

      3- الصلابة.

       كيف يمكن أن نجعل فكرتنا واضحة؟ يجب علينا شرح أفكارنا عن طريق النشاط الإنساني، والمعلومات الحسية. يجب أن تكون الفكرة قادرة على أن            ترسم صورة واضحة ومعبرة ومفهومة فى ذهن المتلقى، وهو الأمر الذى يضمن أن تصل الفكرة بنفس المعنى إلى كل من يسمعها، كما يضمن بقائها           واستقراراها فى ذهن المتلقى. 

 

      4- المصداقية.

      كيف يمكن أن تجعل الناس تصدق فكرتك؟ بعض الأشخاص يصدق الناس كلامهم بدون أى شك ولكن أغلب الناس لا يمتلكون هذه الميزة فى حياتهم             اليومية. ولذلك حتى تلتصق فكرتك يجب أن تمتلك القدرة على اثبات مصداقيتها. فنحن نحتاج طرق لمساعدة الناس على اختبار الفكرة بأنفسهم. وهى نفس        الطريقة التى تطبق فى عالم التجارة "جرب بفسك قبل أن تشترى".المعتاد عندما يحاول أغلب الأشخاص اثبات فكرة معينة تدعيمها بالأرقام والإحصائيات       ولكن فى كثير من الحالات هذه بالضبط هى الطريقة الخاطئة لإثبات مصداقية الفكرة. فى مناظرات الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1980 بين             رونالد ريجين وجيمى كارتر كان يمكن لريجان الاستشهاد بعدد لا نهائى من الاحصائيات لإثبات حالة الاقتصاد السيئة ولكنه بدلا من ذلك سأل سؤالاً

      واحداً بسيطاً جداً حتى يمكن الناخبين من التأكد بأنفسهم " قبل أن تقوموا بالتصويت اسألوا أنفسكم سؤال واحد، هل أنتم أفضل حالاً اليوم من أربعة

      سنوات مضت؟ ".

 

      5- التأثير العاطفى.

      كيف يمكن أن تدفع الناس للاهتمام بفكرتك؟ يجب أن تجعلهم يشعرون بشئ. إذا أردت ان تشجـــع الناس على

التدخين على الرغم من أنه يدمر حياتهم، فاجعلهم يشعرون بمشاعر إيجابية تجاه فكرة التدخين، إذا أردت أن تجعلهم

يتوقفون عن استهلاك سلعة معينة فاجعلهم يشعرون بالاشمئزاز منها.

 

 

      5- القصص.

      كيف يمكن أن نجعل فكرتنا تدفع الناس للتصرف وفقا لها؟ نخبرهم بقصة.

      أظهرت الأبحاث أن تكرار تذكر موقف معين بداخل العقل يساعد على التصرف بشكل أفضل عند مواجهة هذا الموقف فى الحياة الفعلية. وتعمل القصص       بنفس طريقة عمل أجهزة المحاكاة التى تستخدم فى تعلم الطيران، حيث تساعدنا فى الاستعداد على الاستجابة بشكل أسرع وأكثر فعالية.  

 

ولكن لماذا لا يتم مراعاة هذه القواعد دائما؟ لماذا لا تمتلئ حياتنا بالأفكار المصممة حتى تلتصق بأذهاننا؟ الإجابة هى أنه لا يتم ذلك لأن أغلب من يحاول توصيل معلومة أو رسالة للآخرين يعانى غالبا من أعراض ما يطلق عليه ( لعنة المعرفة Curse of Knowledge).

فالشخص الذى يعرض الفكرة يكون غالبا أكثر إلماما بها ولديه جميع المعلومات، ولذلك فهو بالفعل لديه إطار عقلى واضح للمشكلة ويدرك أبعادها وأهميتها، مما يجعله غالبا يعانى من لعنة المعرفة.

وتعنى لعنة المعرفة أنه بمجرد أن يكتسب الشخص المعرفة، يفقد القدرة على الإحساس بمعنى أن لا يكون متعلما، وهو ما يجعل من الصعب عليه أن ينقل معارفه إلى الآخرين.

ويمكن لتجربة (الناقرين والمستمعين) أن توضح هذه المشكلة. ففى دراسة قامت بها إحدى الباحثات قامت بإجراء تجربة بسيطة جدا، حيث طلبت من مجموعة من الأشخاص أطلقت عليهم إسم (الناقرين) أن يقوموا بنقر إيقاعات أغنية شهيرة جدا على طاولة فى الحجرة ثم طلبت من مجموعة أخرى أطلقت عليهم إسم (المستمعين) أن تستمع إلى الإيقاعات ويحاولوا تخمين إسم الأغنية. وكانت النتيجة مدهشة حيث فشل فريق المستمعين تقريبا فى معرفة أغلب الأغانى. ولكن الغريب فى الأمر هو أن فريق الناقرين كان يصرخ اندهاشا من عدم قدرة فريق المستمعين على معرفة الأغانى على الرغم من سهولتها المطلقة، والمجهود الهائل الذى بذله حتى يعرفونها. إذن ماذا حدث؟

ما حدث هو أن الناقر للأغنية كان يعانى من أعراض (لعنة المعرفة) فبسبب أنه كان يعرف الأغنية التى يقوم بنقرها جيدا كان يغنيها بداخل عقله ويستمع لها خلال عملية النقر، ويعتقد أنه يقوم بنقر الأغنية بدقة، فى الوقت الذى كان ما يستمع إليه الشخص الآخر مجرد دقات على الطاولة ليس لها أى معنى لديه. ولذلك فعلى الرغم من أن هذه المحاولة تمت باستخدام120 أغنية فلم يستطيع فريق المستمعون أن يتعرفوا إلا على ثلاث أغنيات فقط، أى بنسبة لم تتعدى 2.5%. وفى الوقت الذى اعتقد فيه الناقرون أنهم يوصلون رسالتهم بنسبة وضوح 1 من 2 كانت النسبة الحقيقية 1 من 40 المشكلة هى أن الناقرين عندما حصلوا على المعرفة (إسم الأغنية) فقدوا القدرة على تخيل مدى صعوبتها بالنسبة لمن يعرفها.

هذه هى لعنة المعرفة، بمجرد أن يحصل الشخص على المعرفة يفقد القدرة على تخيل إحساس من لا يمتلك هذه المعرفة، ويصبح من الصعب بالنسبة له مشاركة هذه المعرفة مع الآخرين ونقلها لهم.

وتمتلئ حياتنا بمجموعات الناقرين والمستمعين: المديرين والموظفين، المدرسين والطلاب، السياسيين والناخبين، المسوقين والعملاء، الكتاب والقراء ..... الخ.

والسؤال هو كيف يمكن التغلب على هذه اللعنة؟ حتى يستطيع الشخص أن يتغلب على مشكلة لعنة المعرفة هذه أمامه طريقين لا ثالث لهما: أما أن لا يتعلم شيئا على الإطلاق، أو أن يأخذ أفكاره ثم يقوم بتحويلها باستخدام القواعد الستة قبل أن ينقلها للآخرين.

 

والشكل التالى يوضح ترجمه لنموذج قواعد الالتصاق الست كما وضعه الأخوان هيث:

 

 

 

 

 

 

تشيب هيث أستاذ السلوك التنظيمى بكلية الإدارة جامعة ستانفورد

دان هيث زميل بارز في مركز جامعة ديوك

bottom of page