top of page

ناركونوميكس

ما الذى تعلمه أباطرة المخدرات من الشركات العملاقة

 

المؤلف:      توم واينرايت (Tom Wainwright )

دار النشر:        بابليك أفيرز - 2016

التقييم:

توم واينرايت

(Tom Wainwright)

مؤلف الكتاب

شبكة الإنترنت العميقة Deep Web، هى شبكة إنترنت خفية وضعتها فى الأصل للقوات البحرية الأمريكية، لا يمكن الوصول إليها عن طريق المتصفحات العادية، ولا البحث عن مواقعها عن طريق محركات البحث المعروفة مثل جوجل وغيره. وهى شبكة مليئة بالمجرمين ويتم من خلالها كل ما هو مخالف للقانون. ويتم التعامل فيها بالعملة الإلكترونية المشفرة (البتكوين). وأشهر المواقع الموجودة عليها هو موقع طريق الحرير والذى ألقت المباحث الفدرالية الأمريكية القبض على صاحبه بعد التوصل إليه. وعلى الرغم من ذلك فالدخول إليها ليس معقداً ولا يتطلب مهارة فنية عالية.

مقدمة: اتحاد العمالقة

     تعتبر سيوداد خواريز Ciudad Juárez المكسيكية هى البوابة الرئيسية لدخول الكوكايين إلى الولايات المتحدة، وهى المدينة التى تعرف باسم (عاصمة الجريمة). فهى أكثر المدن وحشية على وجه الأرض. حيث القتل يتم علانية على قارعة الطرق، وتنتشر القبور الجماعية فى كل مكان، وتمتلئ الجرائد المحلية والتقارير الإخبارية التلفزيونية كل يوم بطرق وحشية جديدة للانتقام. كما أن حوادث الاختفاء هناك هى أمراً عادياً يتم بصورة شبه يومية. بلغ عدد جرائم القتل فى المكسيك فى عام 2010 عشرون ألفاً، أكثر من ثلاثة ألاف منها تمت فى خواريز وحدها. كما أن هناك كل أسبوع قصة جديدة عن رجال شرطة فاسدون واغتيال ضباط، ومذابح دموية بين أباطرة المخدرات وبعضهم البعض. أو بينهم وبين قوات الجيش والشرطة فيما يسمى بالحرب على المخدرات والتى كان من الواضح أن الغلبة فيها ستكون لأباطرة الشر.

 سيوداد خواريز
 سيوداد خواريز

    بعد أن كتبت كثيراً عن المخدرات من جهة الطلب (المستهلكين) قررت أن أتعرف على صناعة المخدرات من جانب العرض (المنتجين). وكلما اقتربت منه أكثر كلما بدا لى أقرب إلى عمل دولى شديد التنظيم يتم فيه تصميم المنتجات بدقة وتصنيعها بحرفية ثم شحنها ونقلها وبيعها إلى ما يقرب من ربع مليار مستهلك حول العالم. إنها صناعة هائلة الحجم تقترب عائداتها السنوية من 300 مليار دولار. يتحكم فيها رجال تنسج حولهم الأساطير ويطلق عليهم أسماءاً مفزعة مثل (ملتهم الأطفال) و(الجلاد). ولكن بعد مقابلتى لهم عن قرب وجدت أن أحاديثهم تذكرنى بمدراء الشركات الدولية العملاقة. مرة بعد مرة تحدثوا إلى عن معاناتهم من مشكلات مثل إدارة العاملين، والتأقلم مع القواعد والقوانين الحكومية، والبحث عن موردين يمكن الاعتماد عليهم، والتعامل مع المنافسين. إنها صناعة لها عملائها الذين يتابعون المنتجات ويقرأون الآراء حولها ويقارنون بين أنواعها المختلفة، بل ويفضلون مؤخراً التسوق عبر شبكة الإنترنت العميقة.

ولكن كان أكثر ما أثار دهشتى عندما بدأت أنظر إلى هذه التجارة من وجهة النظر الاقتصادية، هو أن الأرقام المبهرة التى كانت تعلنها الجهات الرسمية للصفقات التى يتم اكتشافها لم يعد لها أى معنى. فعلى سبيل المثال، قامت الشرطة والجيش عام 2010 فى مدينة تجوانا المكسيكية باحباط محاولة تهريب  أكبر شحنة مخدرات فى تاريخ البلد، بلغت 134 طن من الماريجوانا مخبأة فى ستة حاويات نقل عملاقة، مغلفة ومجهزة للتصدير، ومعبئة فى 15000 عبوة تبلغ حجم الواحدة منها حجم شنطة سفر كبيرة. قام الجيش بتجميعها وإشعال النيران فيها تحت حماية مدافع الجيش الرشاشة لمنع اقتراب أى شخص من اتجاه هبوب الريح. وصرح قائد الجيش المكسيكى المشرف على العملية بفخر، بأن قيمة الشحنة التى تم الإيقاع بها يبلغ 340 مليون دولار. كما أن بعض الصحف الأمريكية صرحت بأن قيمة الشحنة قد يتجاوز بالفعل المليار دولاراً.

الحرب على المخدرات فى المكسيك

إعدام أسلحة المعصابات فى المكسيك

صور  القبض على أكبر  شحنة ماريجوانا فى تاريخ المكسيك وإحراقها

        قد تبدوا الأرقام منطقية، ولكن وجهة النظر الإدارية والاقتصادية تجعل هذه الأرقام المنطقية تبدو فى غاية الحماقة.  فالجنرال بنى حسابته على أن جرام الماريجوانا يباع فى المكسيك بثلاثة دولارات، والصحف بنت حساباتها على أساس أنه يباع فى أمريكا بخمسة دولارات مما يصل بقيمة الشحنة إلى أكثر من نصف مليار دولار بالفعل. وسأضرب لك مثلا حتى أقرب لك الأمر: فى مطاعم منهاتن تباع قطعة اللحم الأرجنتينى بسعر 50 دولاراً وبنفس منطق الجنرال المكسيكى نجد أن سعر نصف طن الثور الأرجنتينى يصل إلى أكثر من 100000 دولار. وبالطبع التفكير بهذه الطريقة شديد الحماقة . فالثور يجب أن يذبح ويسلخ ويقطع ويعبأ ويغلف وينقل ثم يطهى ويقدم للعميل فى مطاعم منهاتن فى النهاية بسعر 50 دولار للقطعة. لذلك لا يقيم أبداً الثور فى الأرجنتين بسعر البيع فى مطاعم أمريكا. والمخدرات ينظر إليها بالضبط بنفس الطريقة فسعر بيع الجرام فى الملاهى الليلية فى المكسيك يساوى 3 دولارات، وفى المدن الجامعية فى أمريكا بسعر 5 دولارات، ولكن وهى مخبأة فى المخازن السرية فى غابات تجوانا تساوى أقل من ذلك بكثير فهى لا زالت تحتاج إلى تهريبها عبر الحدود وتقطيعها إلى كميات صغيرة ثم تسويقها فى سرية للعميل. وأفضل التقديرات لسعر الماريجوانا فى المكسيك هو 800 دولار للكيلو جرام، أى 8 سنت للجرام. وطبقاً لهذا السعر، فالشحنة التى تم القبض عليها فى تيجوانا لا تتجاوز قيمتها العشرة ملايين دولار. 

لا يعنى ذلك التقليل من مجهودات الدولة ولكن يجب أن نعلم أن الـ 340 مليون دولار التى تم القبض عليها لا تساوى بالنسبة لأباطرة المخدرات أكثر من 3% من هذا الرقم. وذلك لا يبرر أبداً أن تنفق الدول ما يقرب من 100 مليار دولار لمحاربة تجارة المخدرات الغير شرعية. فالولايات المتحدة وحدها تنفق ما يزيد عن العشرين مليار دولار للقبض على أقل من 2 مليون من المخدرات!

لقد تتبعت العملية برمتها ووجدت أربعة أخطاء اقتصادية فادحة ترتكبها الحكومات فى جميع أنحاء العالم فى حربها على المخدرات:

أولا: هناك تركيز مبالغ فيه على قمع جانب العرض (التجار)، على الرغم من أن أسس قواعد الاقتصاد تؤكد أن كبح جانب الطلب (المستهلكين) أكثر فاعلية. فتقليل العرض لن يؤدى إلى إرتفاع الأسعار أكثر من تقليل كمية المخدرات المستهلكه مما يزيد من جاذبية سوق تجارة المخدرات للمجرمين.

ثانياً: عندما يحدث ضعف فى الميزانية أول ما تتجه الحكومات عادة إلى تخفيضه هو مصاريف إعادة تأهيل السجناء، وتوفير الوظائفـ والإنفاق على علاج الإدمان بينما تحتفظ مصاريف مكافحة التجار كما هى، وهى المصروفات التى تحقق نفس النتيجة ولكن بتكاليف مرتفعة بلا نهاية.

ثالثاً: على الرغم من أن احتكارات المخدرات تتبع نموذج عمل رشيق يعمل حول العالم بدون حواجز إلا أن الجهد الرامية لاحتوائه لا تزال محلية تتم بدون تنسيق دولى حقيقى. مما يؤدى إلى زيادة ازدهار وبقاء الصناعة التى تستطيع الانتقال من دولة إلى أخرى عبر القوانين المختلفة متجنبة بسهولة المجهودات التى تفتقر إلى التنسيق.

رابعاً: الخلط بين المنع والسيطرة. فحظر المخدرات الذى قد يبدوا مفيد فى البداية هو فى حقيقة الأمر هدية يجب أن يشكر أباطرة المخدرات الحكومات عليها. فهذا المنع جعلهم يحتكرون وحدهم هذه الصناعة التى أصبحت بفضل منعها تساوى مليارات الدولارات.

     فى فصول الكتاب سنناقش كل ذلك بالتفصيل، وهدفنا الأساسى هو أن تعلم الدول أن التنبؤ بالخطوة التالية لصناعة المخدرات والتأكد من عدم ضياع الأموال والأرواح لمواجهتها، يكون أسهل بكثير عندما ندرك أنها تدار كما تدار الشركات الدولية العملاقة. هذا الكتاب هو دليل عملى لأباطرة المخدرات، ولكنه أيضاً برنامج عمل متكامل لكيفية التغلب عليهم وهزيمتهم.

الفصل الأول

سلسلة عرض الكوكايين

عن أثر الصرصار وهامش ربح 30000 بالمائة

     انطلقت بى السيارة التويوتا لاندكروزر ذات النوافذ الداكنة فى شوارع لاباز La Paz العاصمة غير الرسمية لبوليفيا، لأشاهد مزارع نبات الكوكا الذى يستخرج منه الكوكايين، وأتعرف على بداية سلسلة القيمة لهذه الصناعة التى تدر ما يقرب من تسعين مليار دولار سنوياً. فى البداية يجب أن تعلم أن كل ذرة كوكايين تستهلك فى أى مكان فى العالم بدأت فى الأصل كشجرة كوكا فى واحدة من ثلاث دول من دول أمريكا اللاتينية: بوليفيا أو كولومبيا أو بيرو.

قمم سلاسل جبال الأنديز

    انطلقت السيارة عبر سلاسل جبال الأنديز وبالتحديد ناحية ألتيبلانو البوليفى والتى يبلغ ارتفاعها أربعة عشر ألف قدم أى ما يعادل 4267 متر. يزرع نبات الكوكا فى بوليفيا فى منطقتين أساسيتين: تشابار، ويونجاس، وكانت السيارة تنطلق إلى الثانية.

أخطر طريق فى العالم: طريق الموت

طريق الموت الموصل إلى يونجا فى بوليفيا والذى يعتبر أخطر من الطرق فى العالم

    الطريق إلى يونجاس هو أخطر الطرق فى العالم، ويطلق عليه السكان المحليون "كامينو دى لا مورتا" والذى يعنى "طريق الموت". وهو طريق ضيق يمتد على حافة الجبل يتسع بالكاد فى بعض المناطق لسيارة واحدة. تحركت السيارة ببطء خوفاً من السقوط فى الهاوية من هذا الارتفاع الشاهق وأنا متعلق بالباب استعداداً لفتحه والقفز منه اذا ما تطورت الأمور وانزلقت السيارة إلى العدم.

فى النهاية وصلت السيارة إلى قرية  "ترينداد بامبا" وهى قرية صغيرة يسكنها حوالى خمسة ألاف شخص ولكنها تبدوا كالجنة، بطريقها الذى تحيط به أشجار الموز والجبال المحيطة بها التى تخترق السحب البيضاء. وما أن قفزت من السيارة حتى رأيتها، نبات الكوكا، هذه الشجرة الصغيرة التى تساوى مليارات الدولارات، والتى يقتل من أجلها الاف الأشخاص كل عام. 

     وفى منتصف القرية قابلت "إدجار مارمانى" رئيس اتحاد مزارعى الكوكا بحذائه الطويل ويداه المتسختان بالطين. أنت لم تخطئ القراءة، فعلى الرغم من أن زراعة نبات الكوكا ممنوعة فى كل دول العالم إلا أن بوليفيا بها اتحاد رسمى لمزارعى الكوكا.

     بوليفيا دوله لها تقاليدها الخاصة، فهى تعرف نبات الكوكا من قديم الأزل ويتم استهلاك الكوكا فى الأنديز حتى قبل أن يصل الأوروبيون إلى هناك. بعضهم كان يضعه على الشاى بينما يقوم الآخرين بمضغه كما هو. والحقيقة أن تأثير النبات الخام فى هذه الحالة لا يكون قوياً ولا يشبه تأثير الكوكايين بأى حال من الأحوال. ولكنهم يتعاطونه ليساعدهم على تحمل البرودة وعلاج بعض الأمراض. بل إن بعض الفنادق فى "لاباز" تقدم الشاى المضاف إليه أوراق الكوكا بشكل قانوني، ولقد تناولته وكان طعمه مشابهاً للشاى الأخضر. كما أنه يدخل أيضاً فى بعض المصنوعات مثل الحلويات ومعاجين الأسنان والمخبوزات.

نبات الكوكا الذى يصنع منه الكوكايين

شجرة الكوكا التى يصنع منها الكوكايين

ولتتماشى الحكومة مع هذه التقاليد المحلية سمحت بزراعة كميات محدودة من نبات الكوكا كل سنة. وينظم الصناعة فى بوليفيا نائب الوزارة للكوكا، وهو الذى يحدد الكميات المعينة التى ستزرع سنويا ويراقب عليها لضمان عدم تسرب أى منها لسوق تصنيع المخدرات الممنوعة

فى البداية سألت مارمانى، "كيف تحصلون على نبات كوكا جيداً؟" فأشار إلى مدرجات جبلية قريبة وقال: "فى البداية يجب أن نجهز الواكوس. حيث نقوم بحفرها وتنظيفها من الأحجار. ومع تربة يونجاس الخصبة وجوها المناسب يمكن للمزارع أن يقوم بالحصاد ثلاث مرات فى العام. وهى نتيجة أفضل من البن الذى يعطى محصولا مرة واحدة فى العام. ثم نقوم بتجفيف الأوراق فى الشمس وبعضها نضعها فى أكياس يزن الواحد منها 50 باوند. ثم تشحن فى سيارات  إلى سوق فيلا فاتيما Villa Fatima فى لاباز، وهو أحد مكانين يتم فيهما الإتجار فى الكوكا بصورة قانونية. وتمنح كل سيارة ترخيص يوضح بالتحديد الكمية التى تحملها ومصدرها"

نبات الكوكا الذى يصنع منه الكوكايين

امرأة تبيع الكوكا فى سوق فيلا فاتيما

نبات الكوكا الذى يصنع منه الكوكايين

إعداد المدرجات الجبلية أو الواكوس بلغة البوليفيين لزراعة الكوكا

نبات الكوكا الذى يصنع منه الكوكايين

رئيس بوليفيا إيفو موراليس

     ليس أمراً غريباً وجود مثل تلك الأسواق فى بوليفيا فرئيسها نفسه كان أحد مزارعى الكوكا البسطاء. حتى أنه فى عام 2008 قام بطرد السفير الأمريكى لتدخله فى سياسات بوليفيا المحلية الخاصة بزراعة الكوكا. ولكن الحقيقة هى أنه على الرغم من سياسات الدولة الصارمة إلا أن ثلثى إنتاج الكوكا يتسرب بالفعل إلى سوق المخدرات حيث تتحول إلى كوكايين.

     حشدت بلدان أمريكا اللاتينية قواتها للبحث عن مزارع الكوكا الغير قانونية وتدميرها. والفكرة الاقتصادية هنا غاية فى البساطة، أباطرة المخدرات يعتمدون اعتماداً كلياً على أوراق الكوكا لانتاج الوكايين، وإذا استطاعت  الحكومات تقليص جانب العرض ، فستزيد ندرة المنتج، وبالتالى يرتفع سعره ويقل الطلب عليه، ولن يشتريه غير القلة فاحشة الثراء. والفكرة اقتصادياً سليمة، فالندرة هى ما جعلت الذهب أغلى من الفضة، والبترول أغلى من الماء.

     وهكذا انطلقت الدول الثلاث، بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، تبحث عن مزارع الكوكا وتحرقها عن بكرة أبيها. وعلى الرغم من صعوبة الأمر الشديدة إلا أنها بذلت كل جهدها للقيام بذلك. لدرجة ان كولومبيا قامت برش المزارع بمواد كيميائية سامة من الطائرات على مزارع الكوكا التى تجدها، والتى كانت تقتل بالفعل كل ما يجاورها من مزروعات أخرى قانونية ولم تتوقف إلا بعد أن حذرتها منظمة الصحة العالمية أن هذه الكيماويات تسبب السرطان. لقد كانت هذه الحملات ناجحة واستطاعت تدمير ألاف الأفدنة من الكوكا. ولكن كانت المفاجأة هى، أن انتاج الكوكايين لم يتأثر إطلاقاً بتلك الحملات.

 ......يتبـــــــع  

bottom of page