top of page

سيمون سينيك مؤلف الكتاب

كتاب ابدأ بلماذا: كيف يلهم القادة العظماء الناس للتحرك
 

 

المؤلف           سيمون سينك (Simon Sinek) 

 

دار النشر       بورتفوليو  - 2011

 

 

التقييم

 

 

     

 

 

      كيف يمكننا تفسير قدرة بعض الاشخاص على تحقيق أمور مذهلة تفوق كل التوقعات. لماذا نجد شركة آبل مبتكرة على الدوام؟ سنة تلو السنة وعاما بعد عام .. فهي دائما مبتكرة أكثر من منافسيها على الرغم من أنها مجرد شركة كمبيوتر مثلها مثل باقي شركات الكمبيوتر الأخرى، لديها نفس الخبرات .. ونفس المهارات .. وتتعامل مع نفس وكالات الإعلان .. ونفس شركات الاستشارات .. وتستخدم نفس وسائل الإعلام. إذا لماذا تبدو آبل وكأن لديها شيء مختلف عن بقية الشركات؟

      لماذا كان مارتن لوثر كينج هو من قاد حركة الحقوق المدنية؟ على الرغم من أنه لم يكن الوحيد الذي عاني من العنصرية آنذاك، ولم يكن الوحيد حتما الذي يجيد القاء الخطابات ببراعة .. إذن لماذا هو؟

     لماذا استطاع الاخوان رايت أول من اكتشف كيفية الاقلاع بالطائرة ذات المحرك .. لماذا هم؟ بينما كان هناك العديد من الفرق تتسابق الى ذلك الامر بل كان بعضهم مؤهلاً أكثر منهم، ولديهم تمويل أكبر، ولكن لم يستطيع أحد منهم الوصول الى الاقلاع بطائرة ذات محرك، وهُزموا على يد الاخوان " رايت ". بالتأكيد هناك شيء ما يساهم في هذا الامر.

لماذا نبدأ بـ (لماذا)؟

الدائرة الذهبية

اكتشف مؤلف الكتاب ان هناك نمطٌ يُلهم كل القادة الكبار وكل الشركات العظيمة في العالم، سواء كانت "آبل" أو "مارتن لوثر كينج" أو "الاخوان رايت" فهؤلاء جميعا يتصرفون ويتواصلون بنفس الطريقة تماما. وهي طريقة مخالفة تماما لما يفعله الآخرون، وفكرتها هي الفكرة الابسط في هذا العالم والتى أطلق عليها " الدائرة الذهبية ".

     لماذا؟ كيف؟ ماذا؟. فكرة بسيطة تفسر لماذا هناك بعض الشركات، وبعض القادة، قادرون على إلهام الآخرين بينما لايستطيع منافسيهم ذلك. فكل منظمة على هذا الكوكب تعلم تماما ماذا تريد. والبعض فقط منهم يعلم كيف يقومون بذلك. ولكن القلة فقط، القلة من الاشخاص والمنظمات يعلمون لماذا يقومون بما يقومون به!      وعندما اقول " لماذا "، لا اعني أن تجيب بـ (لكي اجني المال) لأن المال يأتى نتيجة للعمل، كان وسيبقى كذلك. ولكن أعنى بكلمة "لماذا" ما هو هدفك مما تقوم به؟ ما هي غايتك؟ ما الذى تؤمن به؟ لماذا أنت موجود من الأساس؟ لماذا تستيقظ كل صباح؟ ولماذا يجب على اى شخص الإهتمام بذلك؟

     ان طريقة تفكيرنا هي التي تحدد افعالنا، ونحن نتصرف جميعا بطريقة "الاتصال من الخارج إلى الداخل" فنحن ننطلق دوما وبكل سرعة من اكثر الامور وضوحا الى اكثرها تشويشاً وصعوبة. ولكن القادة المُلهمين والمنظمات المُلمهة الرائدة مهما كان حجمها ومهما كانت صناعتها جميعها تفكر وتتصرف بطريقة "الاتصال من الداخل نحو الخارج".

      على سبيل المثال، يستخدم الجميع منتجات شركة " آبل " لانها سهلة الاستخدام، والجميع يفهم كيف يستخدمها. ولكن لو كانت شركة "آبل" مثل باقي الشركات لكانت رسالتها التسويقية ستبدو كهذه: (نحن نصنع حواسيب عظيمة "إجابة السؤال ماذا" وهي مصممة بصورة جميلة، سهلة الاستعمال وسهلة التعلم "إجابة السؤال كيف")، هل سترغب عندها فى شراء واحد منها؟ فى الغالب لا. هذه هي الطريقة التي يتواصل بها معظمنا، وهذه هي الطريقة التي نستخدمها جميعا فى البيع والتسويق. وهى الطريقة التي نتواصل بها مع الاشخاص فنحن نقول للناس ما نفعل .. ونصف كيف نحن افضل من الأخرين. فشركات المحاماة تقول لعملائها: نحن نملك اقوى المحامين للتعامل مع اكبر العملاء ونمثل عملائنا مهما حدث. أو مثلا قد تجد شركة سيارات تقول هذه سيارتنا الجديدة (ماذا) انها اقتصادية جدا في صرف الوقود وتملك مقاعد جلدية، اشتري سيارتنا (كيف) ثم تطلب من العملاء الشراء مع أن كل ما سبق لا يلهم العملاء ولا يحفزهم للشراء. 

      ولكن انظر كيف تتواصل شركة آبل مع عملائها: كل شيء نقوم به هو تحد للوضع الراهن. فنحن نؤمن بأننا يجب علينا التفكير بشكل مختلف ولتحقيق ذلك نقوم بعمل منتجات مصممة بجودة وجمالية عالية، سهلة الاستخدام وسهلة التعلم. ببساطة نحن ننتج اجهزة حواسب رائعة ... هل تريد شراء واحد منها؟ بالتأكيد نعم. إنها طريقةٌ مختلفةٌ تماما. على الرغم أن كل كل ما قامت به آبل هو أنها عكست طريقة عرض المعلومات. فالناس لا تشتري عادة ما تقوم به، بل تشتري السبب الذى من أجله تقوم به.

 

       هذا يفسر لماذا يرغب الجميع فى شراء كمبيوتر من شركة " آبل " ليس ذلك فقط بل نرغب فى شراء اجهزة " ام بي ثري " من شركة " آبل " و هواتف وحتى مشغلات اقراص ليزر، وذلك على الرغم من أن شركة " آبل " ليست سوى شركة تصنيع كمبيوتر، ولا يوجد اي شيء يجعلها مختلفة عن باقي المنافسين سواء في البنية التحتية او في الطريقة التى تعمل بها. فكل منافسيهم مؤهلون تماما لصنع نفس منتجاتها. بل في الحقيقة لقد حاولوا بالفعل. فمنذ عدة سنوات انتجت شركة " جيت واي " شاشات تلفاز مسطحة، وهم بالفعل مؤهلون لصنع تلك الشاشات، فهم يصنعون شاشات حواسيب مسطحة منذ عدة سنوات. ولكن لا احد اشترى منهم شاشات التلفاز المسطحة التى صنعوها. وشركة " ديل " ايضا انتجت اجهزة "ام بي ثري" و "أجهزة المساعد الرقمي الشخصي" وكانت منتجات ذات جودة عالية جدا ومصممة بصورة مميزة جدا، ولكن لا احد اشترى تلك المنتجات. فالناس في الحقيقية لا تشتري ما تقوم به، بل تشتري لماذا تقوم به. فالهدف لا يجب ان يكون القيام بالأعمال مع الاشخاص الذين يحتاجون إلى ما تقوم به، ولكن يجب أن يكون القيام بالاعمال مع الاشخاص الذين يؤمنون بما تؤمن به.

       إن كل ذلك يتفق تماماً مع طبيعة تركيب البشر البيولوجية. فإذا نظرنا الى مقطع لدماغ الانسان من الأعلى سوف نرى ان مخ الانسان ينقسم الى ثلاث قطاعات رئيسية متناغمة تماما مع الدائرة الذهبية، عقلنا الأحدث newest brain وعقلنا الهوموسابين Homo sapien brain وقشرتنا الدماغية neocortex الترتيب الذى يماثل مستوى (ماذا). القشرة الدماغية (Neocortex) هي المسؤلة عن كل افكارنا العقلانية وتفكيرنا التحليلى واللغة التى نتحدث بها، بينما القسمان الآخران يشكلان حواف الدماغ (Limbic Brain)  وهو الجزء المسئول عن كل عواطفنا كالثقة والولاء، وهو المسؤل أيضا عن سلوك الإنسان واتخاذ القرارات ولكنه لا يملك أية قدرة على التعبير اللغوى.

ليس مجرد رأى، ولكنه علم الأحياء

     بمعنى آخر، أنه فى الحقيقة عندما نتواصل من الخارج الى الداخل (أى نبدأ بشرح ماذا نفعل) يستطيع الناس بالفعل استيعاب كميات هائلة من المعلومات المعقدة مثل المميزات والحقائق والارقام. ولكن، كل ذلك لا يحفز سلوك المستمع. بينما عندما نتواصل من الداخل الى الخارج (أى نبدأ بشرح لماذا نفعل) فإننا نتحدث مباشرة الى الجزء من العقل الذي يتحكم بالسلوك، ثم بعدها نسمح للمستمع بتقييم الأمر بإعطائه المعلومات الملموسة والحقائق المنطقية. هذا هو تفسير القرارات الغريزية، فاحيانا قد تعطي شخصا كل الحقائق والارقام ثم تفاجأ به يجيب عليك: حسنا لقد استوعبت كل تلك الحقائق والارقام و التفاصيل ولكني فقط اشعر ان الأمر ليس على مايرام. لماذا استخدم التعبير "أشعر" لأن ذلك القسم من العقل الذي يتحكم بالقرارت لا يتحكم باللغة وأفضل تفسير يمكنه قوله حينها هو " لا أعلم .. أنا فقط أشعر ان الأمر خاطئ ".  أو كما تقول أنت أحيانا أن روحك أو قلبك يقودانك نحو هدف ما. فى الحقيقة هذا غير صحيح .. فلا القلب ولا الروح يتحكمان بتصرفاتنا، ولكن كل ذلك يحدث في أطراف العقل، في القسم الذي يتحكم في اتخاذ القرارات ولا يتحكم فى اللغة.

     فاذا لم تكن تعلم لماذا تقوم بما تقوم به، بينما الناس لا تستجيب الا للسبب الذي يدفعك للقيام به. فكيف أذاً تريد من الناس ان تشتري منك، او تصوت لك فى الانتخابات، أو تؤيد فكرتك، أو أن تكون "مخلصة" لك؟. لذلك يجب أن لا يكون هدفك هو القيام بالاعمال مع الاشخاص الذين يحتاجون إلى ما تقوم به، ولكن يجب أن يكون أن تقوم بالاعمال مع الاشخاص الذين يؤمنون بما تؤمن به. يجب أن لا يكون الهدف هو ان توظف أشخاصاً يحتاجون للعمل، وانما هو أن توظف أشخاصاً يؤمنون بما تؤمن به. ففى الحالة الأولى سيعملون فقط من اجل الأجر الذى تدفعه لهم. ولكن فى الحالة الثانية عندما توظف أٌناسا يؤمنون بما تؤمن به فسوف يعملون معك بكل كد وجد وسيذرفون كل قطرة عرق لاجل ذلك العمل. ولن نجد أي مثال أفضل على ذلك من قصة "صامويل بيربونت لانجلي" على الرغم من أن معظم الناس لا يعلمون شيئاً عنه.

قصة صامويل بيربونت لانجلي

صامويل بيربونت لانجلي (1834-1906)

 

مقالة فى إحدى الصحف تتحدث عن فشل لانجلى فى الطيران قبل نجاح الأخوان رايت بفترة قصيرة

      قديما وفي بداية القرن العشرين كان هوس الناس بالتحليق تماما كهوس الناس بالانترنت اليوم فكان الجميع يحاول الطيران. وكان " صامويل بيربونت لانجلي " أكثر شخص يمتلك الوصفة السحرية للنجاح وقتها. فحتى فى عصرنا هذا إذا سألت الناس اليوم  لماذا قد تفشل المنتجات أو الشركات؟  فإن معظمهم سوف يعطون نفس الأسباب وسيلقون المسؤلية على أمور ثلاث: نقص الأموال، أو اختيار الاشخاص الخطأ أو ظروف السوق السيئة. وصامويل بيربونت لانجلي كان مسلحاً بكل مقومات النجاح ليكون أول رجل يطير على وجه الأرض، حيث تم منحه وقتها 50 الف دولار من قبل وزارة الدفاع لكي يصمم الآلة التي تطير أي ان المال كان موجودا، وكان أستاذا فى الفلك والفزياء ومخترع وأستاذ الرياضيات فى الأكاديمية البحرية الأمريكية ويحتل مقعداً فى جامعة هارفارد، كما كان يعمل مع مؤسسة سميثسونيان، وكان لديه الكثير من المعارف الأقوياء وكان يعرف كل العباقرة آنذاك ووظف بالفعل الكثير منهم، والمال الذي كان يملكه كان يمكن ان يصنع له ظروف التسويق والترويج المُثلى كما كانت صحيفة النيويورك تايمز تلاحقه اينما حل، والعيون جميعها معلقة عليه. لماذا إذن لا نعرف صامويل بيربونت لانجلي ولم نسمع شيئا عنه؟

        لانه وعلى بعد بضع مئات من الاميال في دايتون اوهايوا كان "اوليفر وويلبور رايت" اللذان لم يكونا يملكان ما نسميه بوصفة النجاح فلم يكونا يملكان المال، وكانا ينفقان على حلمها من من خلال محل بيع الدراجات الهوائية الخاص بهم، كما لم يكن ايٌ من أعضاء فريقهما حاصل على درجة جامعية ولا حتى أوليفر وويلبور أنفسهم، ولم تكن الصحافة تهتم بهم ولا بتجاربهم. ولكن الشيء الذي كانوا يملكونه مختلفا عن صامويل لانجلى هو ان "أوليفر و ويلبور" كانا مدفوعان بهدف وغاية وإيمان. فقد آمنا بانهم ان استطاعوا ان يكتشفوا طريقة الطيران فإنهم سيغيرون العالم بأكمله، بينما صامويل بيربونت لانجلي كان يريد شيئاً آخر، كان يريد الثراء والشهرة، كان يلاحق النتيجة ولا يلاحق الهدف، كان يسعى خلف المال. ثم انظروا كيف كانت النتيجة، من يعملون مع الاخوين رايت من يؤمنون بهم وبهدفهم عملوا بكل اخلاص وكد وتعب وبذلوا الدم والعرق والدموع معهم. بينما اعضاء فريق لانجلى كانوا يعملون من اجل المال. تخبرنا القصص أن الاخوين رايت كانوا عندما يذهبون لتجاربهم كانوا يأخذون معهم خمسة نماذج لأن هذا هو العدد الذى كان يتحطم منهم قبل ان يعودوا لتناول العشاء.

       وفى النهاية، في يوم 17 من ديسمبر عام 1903 استطاع ان الاخوين رايت التحليق بطائرتهم، ولم يكن هناك أحد  ليشهد هذا الحدث الكبير، بل لقد علم الناس بذلك بعد بضعة ايام. ودليل آخر على ان " لانجلي " كان مدفوعا بالشيء الخاطىء أنه فى اليوم الذي نجح فيه الاخوان رايت استقال من عمله. كان بإمكانه أن يقول " هذا اكتشاف رائع يا شباب سوف انضم اليكم واطور تكنولوجيتكم " لكنه لم يفعل ذلك، فلم يكن هو الاول .. ولم يصبح غنياً .. ولم يصبح مشهوراً .. لذلك استقال.

اوليفر وويلبور رايت المشهوران بـ

(الأخوان رايت)

الطائرة الأولى التى نجح الأخوان رايت فى التحليق بها لمسافة 36 متر تقريبا

نقطة التحول   Tipping Point

      الناس لا تشتري ما تقوم به، بل تشتري لماذا تقوم به. فأنت إذا تحدثت عما تؤمن به فسوف ينجذب إليك اشخاصا يؤمنون ايضا بما تؤمن به. ولكن ماهى أهمية أن ينجذب إلينا أشخاصا يؤمنون بما نؤمن به؟ 

 

      هناك قانون يدعى "قانون انتشار الابتكارات"، هذا القانون يعنى ان أول 2.5 % من الناس فقط هم المبتكرون، بينما 13.5 % التاليين لهم منهم هم المتبنون الأوائل أوالسباقون لتبني الابتكارات، و 34% منهم هم اغلبية متقدمة ويأتى بعدهم الأغلبية الخاملة والمتأخرون.

       وتبعاً لقانون انتشار الابتكارات فاذا اردت ان ينجح منتجك في السوق الكبير، أو تلقى فكرتك قبولاً عاماً، فلن يمكنك ذلك حتى تصل الى نقطـة التحول  (Tipping Point) والتى تقع بين 15% - 18% من اختراق السوق وهى النقطة التى يحدث عندها الـتحول. عندما تسئل رجال الأعمال كم هي حصة منتجكم الجديد من السوق يجيبون بفخر: انها حوالى 10 % لقد فعلناها. ولكنهم لا يدركون أن 10% من السوق هى نسبة لا تستحق الفخر. فلا يعنى أنك حققت 10% من المستهلكين أنهم مُغرمون بالمنتج فإنت لم تصل لنقطة التحول بعد. " والمشكلة هي كيف يمكن تحديد هؤلاء المستهلكين الذي يُغرمون بالمنتج قبل ان تبدأ في التعامل معهم او طرح منتجك في السوق. كيف يمكنك أن تعبر هذه الفجوة كما يطلق عليها جيفري مور "Crossing the Chasm". كما نرى فى قانون انتشار الابتكارات، أن الأغلبية المتقدمة لن تجرب منتجاً جديداً الا اذا قام احدهم بتجربته أولاً. وهؤلاء المبتكرون والمتبنون الأوائل الذين يجربون أولاً يتخذون قراراتهم بحدسهم وغريزتهم وتحركهم قناعاتهم عن العالم من حولهم وليس فقط لأن المنتجات متوفرة.

       هؤلاء هم الذين يقفون في طابور طويل لمدة ستة ساعات، فقط من أجل شراء هاتف " آي فون " عندما يُطرح لاول مرة، على الرغم من انه يمكنهم الذهاب بعد أسبوع واحد فقط إلى أى  متجر وشرائه بكل بساطة من على أحد الرفوف. هؤلاء هم الاشخاص الذين ينفقون أربعون ألف دولاراً لشراء شاشات التلفاز المسطحة فور طرحها في الاسواق، حتى وإن كانت هذه التكنولوجيا مازالت دون المستوى. وبالمناسبة هم لا يفعلون ذلك لأنها تكنولوجيا رائعٌة، بل يقومون بذلك من أجل أنفسهم، إنهم يفعلون ذلك ليكونوا رواداً. ففى واقع الأمر الناس لا تشتري ما تفعل، بل تشتري السبب الذى تفعله من أجله، وما تفعله ببساطة يدل على ما تؤمن به. ففي الحقيقة الناس تفعل ما يؤكد مايؤمنون به. فالسبب الذي يجعل ذلك الشخص يقف فى طابور انتظار طويل لمدة ست ساعات ليشتري هاتف " آي فون " في الساعات الاولى من طرحه فى الأسواق ، لان هذا هو العالم الذى يؤمن به، وهكذا يريد للعالم من حوله أن ينظر إليه، أنه فى الطليعة.

       هناك مثالان شهيران لقانون نشر الابتكار أحدهما مثال للفشل والآخر مثال للنجاح. أما مثال الفشل فهو مثال شركة (تيفو) الشهيرة. وأما مثال النجاح فهو مثال مارتن لوثر كنج

شعار شركة تيفو الشهير

     وصفة النجاح دائماً هي التمويل الجيد .. والموظفون الجيدون .. وظروف السوق المناسبة، وإذا ما توفرت هذه الظروف فبكل تأكيد سيتحقق النجاح.

     كانت شركة " تيفو" منذ اليوم الاول لانطلاقها وحتى يومنا هذا هي الشركة التي تبيع المنتجات الاكثر جودة في السوق ولا يوجد احدٌ يختلف على هذا. فهى شركة توفرت ليها ظروف تمويل ممتازة وظروف سوق رائعة. ولكن خطة "تيفو" التسويقية فشلت ولم تجنى عليهم أى أرباح مطلقاً. من ثم طرحوا الشركة للاكتتاب العام وكانت القيمة الاسمية للحصة فى حدود 30-40 دولار ثم انخفضت. ولم ترتفع القيمة اكثر من 10 دولار بل هى في الحقيقة لم تتجاوز الستة دولارات إلا في حالات نادرة. ما حدث هو أنه عندما اطلقت " تيفو" منتجاتها قالوا لنا ماذا يملكون فحسب. فقد قالو "نحن نملك أجهزة تلفاز يمكنها ايقاف البث المباشر مؤقتاً .. ويمكنها تجاوز الاعلانات .. واعادة عرض البث .. كما يمكنها أن تحفظ عادات المستخدم في مشاهدة التلفاز دون ادنى تدخل منه " وردت جموع " المستهلكين " عليهم: نحن لا نصدقكم .. نحن لا نحتاج لمنتجكم .. بل لم يعجبنا من الأساس .. وانتم تخيفونا به .." ولكن لو قالوا .. " اذا كنت ذلك الشخص الذي يريد أن يتملك السيطرة الكاملة على كل زاوية من حياته فنحن لدينا المنتج المناسب لك فنحن نلدينا لك أجهزة تلفاز يمكنها ايقاف البث المباشر مؤقتاً ويمنكها تجاوز الاعلانات .. واعادة عرض البث .. إلخ . إلخ لاختلف الأمر تماماً. فالناس لا تشتري عادة ما تقوم به، بل تشتري سبب قيامك بما تقوم به، لأن ما تقوم به يعبر تماما عما تؤمن به. 

فشل شركة تيفو
نجاح مارتن لوثر كنج

      في صيف 1963 اجتمع 250 ألف شخص في واشنطن للاستماع لخطاب الدكتور مارتن لوثر كنج. حضر هذا العدد الهائل دون ارسال اي دعوات ودون اي موقع الكتروني لتنظيم الحدث، فكيف قام بهذا؟ لم يكن مارتن لوثر كنج هو الرجل الوحيد في امريكا الذي يملك قدرات خطابية رائعة، ولم يكن الرجل الوحيد الذي عانى من التميز العنصري فيها، بل فى الحقيقة لقد كانت بعضاً من أفكاره خاطئة. ولكنه كان يملك ميزة لا يمتلكها غيره، فهو لم يتجول بين الناس ليخبرهم ما الذى يحتاجون اليه ومالذي يجب تغيره، بل لقد مر عليهم واخبرهم بماذا يؤمن "أنا أؤمن .. أنا أؤمن .. أنا أؤمن .." لقد أخبر الناس بما يؤمن به. وجمل الناس الذين يؤمنون بما يؤمن به قضيته على عاتقهم، وبدأوا بدورهم بإخبار الآخرين، وقام بعضهم بعمل شبكات لكي يوصلوا كلمته للمزيد والمزيد من الناس. وتبعاً لهذا حضر 250 ألف شخص في اليوم المناسب .. والوقت المناسب لكي يستمعوا الى خطابه.

      السؤال الآن هو كم عدد الاشخاص الذي حضروا من أجل "مارتن لوثر كينج"؟ لا أحد! الحقيقة هى أنه لم يأت أحد من أجل مارتن لوثر كينج، لقد أتى جميعهم من أجل أنفسهم. لقد كان حضورهم يعبر عما يؤمنون به من أجل أمريكا، وهو الذي دفع بعضهم للسفر بالحافلات مدة تزيد على الثمانية ساعات، ودفعهم لأن يقفوا تحت أشعة الشمس في شهر أغسطس في واشنطن، كل ذلك كان يعبر عن ايمانهم. ولم يكن الأمر متعلق باضهاد السود فقط فقد كان 25% من الحاضرين من ذوي البشرة البيضاء. يؤمن مارتن لوثر كينج أن في عالمنا هذا نوعين من القوانين، النوع الأول هو القوانين التى وضعها الله، والنوع الثاني هو القوانين التى وضعها الانسان، ولن نعيش في عالم عادل وسلام شامل حتى تصبح جميع القوانين التى وضعها البشر متناغمة مع تلك التى وضعها الله. وقد صادف أن تكون حركة الحقوق المدينة هى الأمر الأمثل لمساعدته في جلب قضيته التي يؤمن بها الى الواجهة، وقد اتبعناه لا من أجل شخصه وانما من اجل أنفسنا. لقد قال مارتن لوثر كينج في مستهل خطابه  "انا أملك حلماً" ولم يقل " أنا أملك خطةً " هذا هو الفرق. واستمعوا إلى السياسين اليوم وخططهم المكونة من 12 مرحلة شاملة، إنهم لا يُلهمون اي احد. 

نصب لنكولين التذكارى حيث حضر أكثر من 250 ألف شخص

مارتن لوثر كينج فى خطبته الشهيره لدى حلم عام 1963 

      هناك القادة وهناك من يقودون، فالقادة هم من يعتلون منصبا أو لديهم السلطة، ولكن من يقودون هم أولئك الذين يلهمون الناس. وسواء كانوا أفرادا أو منظمات فإننا نتبع اولئك الذين يقودون، ليس لأننا مجبرون على ذلك ولكن لأننا نريد ذلك. نحن نتبع هؤلاء الذين يقودون ليس من أجلهم بل من أجل أنفسنا. وهؤلاء الذين يبدأون بلماذا هم أولئك الذين لديهم المقدرة على إلهام من حولهم.

حديث سيمون سينك فى منتدى TED والذى يحتل المركز الثالث كأكثر الفيديوهات مشاهدة على موقع المنتدى

bottom of page