
إدارة الأعمال
الطـــــريق إلى الحكمــــــة

الغــــرور هو العــــدو
المؤلف: رايان هوليداى (Ryan Holiday)
دار النشر: بورتفوليو - 2016
التقييم:




رايان هوليداى مؤلف الكتاب
مع كتابه الأول ثق بى فأنا أكذب
مقدمة
قد تكون عاملاً أو مديراً، وقد تكون غنياً أو فقيراً. قد تكون قائداً مهمتك قيادة الآخرين أو مجرد تابعاً تنفذ الأوامر، قد تكون فزت لتوك بوظيفة جديدة وربما لتوك فقدت وظيفتك، أينما كنت وأياً كان ما تفعله، فأسوأ أعدائك يوجد بالفعل بداخلك، إنه الغرور.
الغرور هو (أفكار واعتقادات غير صحيحة عن أنفسنا). إنه إحساس بالتفوق والأهمية يفوق ما نحن عليه وما نستحقه بالفعل، ويتجاوز الموهبة والمهارات التى نمتلكها. ويحدث الغرور عندما تزيد فكرتنا عن أنفسنا وعن العالم من حولنا حتى تمنعنا من الرؤية الصحيحة لما يحيط بنا.
إنها النقطة التى تتحول عندها الثقة بالنفس إلى التكبر، والحزم إلى العناد، والاحتكام للعقل إلى الإنسياق للمشاعر، هذا هو الغرور والذى يدفعنا عندئذ للسقوط بقوة.
القاعدة الأولى هى إياك أن تخدع نفسك،
واحذر فأنت أسهل من يمكن خداعه.
إن الغرور هو عدو ما تريد وما تملك، وهو العائق الذى يحول بينك وبين الإحتراف، وبينك وبين الإبداع. وهو الذى يحول بينك وبين العمل والتعاون مع الآخرين وبناء جسور الولاء والثقة معهم.
قد تعتقد أنك أبعد ما يكون عن أن توصف بالغرور، ولكن بنظرة متعمقة ستجد أن الغرور هو تقريباً أصل كل المشكلات والعوائق التى تقابلك، وهو السبب فى فشلك وعدم تحقيقك للنجاح الذى تطمح إليه. ولكن السبب فى عدم إدراكنا لذلك هو أننا نبحث دائماً عن شئ نلقى عليه اللوم (غالباً يكون الآخرين). وقد تعتقد أن نجاحك السابق حقيقى ولا مانع أن تفخر به، ولكن الحقيقة أن ذلك أدعى للخوف، فانت لا تعلم ما يضيع منك بسبب الغرور، لأن كل ما تراه هو نجاحاتك السابقة.
إذا كان الغرور هو الصوت الذى يخبرنا بأننا أفضل مما نحن عليه، فإنه يعيق نجاحنا الحقيقى بأن يمنعنا من التواصل مع العالم حولنا بشكل مباشر وأمين. وبدلاً من أن نرى الفرص والعوائق أمامنا، نعيش بداخل عالمنا الخيالى. وهذا يجعلنا عاجزين تماماً عن قيادة الآخرين، وتقبل النقد وتقبل الفشل، بل واقتناص الفرص، فإذا كنا عاجزين عن مقارنة أنفسنا بالآخرين فإن مانشعر به ليس ثقة وإنما هو وهم وضلالات.
شئ واحد هو ما يدفعنا للغرور، إنه الراحة. فمطاردة الأهداف ومحاولة تحقيق الطموح أمر مرهق للغاية، والغرور يخبرنا بما نريد سماعه، عندما نريد أن نسمعه. إنه حل قصير الأجل ولكن عواقبة وخيمة فى الأجل البعيد.
الغرور دائماً موجود ولكنه الآن أكثر جرأة
إذا لم نستطيع أن نقيم أنفسنا بشكل صحيح مقارنة بالآخرين فإن ما نشعر به ليس ثقة بالنفس وإنما هو وهم وضلالات
تشجع ثقافتنا الآن على الغرور أكثر من أى وقت مضى. فالآن يمكن أن نصاب بالغرور بكل سهولة. فيمكن الآن أن نتواصل مع المعجبين على "twitter" ويمكن أن نقرأ الكتب ونتعرف على الجديد من مواقع الإنترنت، ونستمع إلى محاضرات "TED" ونتشعل بلهيب الحماس والطموح وإعجاب الآخرين كما لم يحدث من قبل. ويمكن أن نطلق على أنفسنا رؤساء مجالس إدارات شركات لا توجد إلا على الورق. ويمكننا أن نعلن عن خطط طموحة وأخبار هائلة على صفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعى ونستمتع بتلقى التهانى. بل وننشر المقالات عن أنفسنا وندع الصفحات المتعددة تستخدمها لتملئ بها فراغاتها.
علاوة على ذلك يخبرنا المحاضرون ليل نهار بأن نؤمن بعظمتنا وبتفردنا وأن نفكر أفكار كبيرة. حتى أصبحنا نؤمن بأن النجاح لا يتطلب سوى رؤية عظيمة وخطط شجاعة. وأصبحنا نحاول ليل نهار تقليد الناجحين وطريقة حياتهم على أمل أن نحقق نفس نجاحاتهم. لقد أصبحنا نفترض أن مظاهر النجاح هى النجاح نفسه، وبتفكيرنا الساذج أصبحنا نخلط بين النتيجة والسبب.
ولكن عندما نتخلص من الغرور سنواجه الحقيقة -التى قد تكون مؤلمة- والواقع، ولا يتبقى عندها سوى التواضع الممزوج بالثقة بالنفس. وهكذا يتعلم بعض الناس التواضع وبعضهم يختار الغرور. وأنت أيهما ستختار؟ وأيهما ستكون؟ إنه قرارك أنت.
الجزء الأول : الطموح
نجلس جميعاً نخطط لشئ ما، نضع أهدافاً ونحلم ببداية جديدة، ولكن الكثيرون منا لايصلون إلى هدفهم قط، ولا يعلمون أن الجانى هو الغرور. نقضى أيامنا نؤلف لأنفسنا قصصاً رائعة، ونتظاهر بأننا نحققها، ونحلم بنجوم المستقبل الزاهرة، ثم نستيقظ لنجد أنفسنا كما نحن ولم نحقق شيئاً، ولا نعلم السبب. إنها أعراض الغرور والتى يكمن علاجها فى التواضع والواقعية .

أيزوقراط أحد فلاسفة اليونان
436–338 ق.م
فى عام 374 قبل الميلاد أرسل الحكيم اليونانى أيزوقراط للشاب ديمونيكوس الطموح الذى فقد والده يوصيه حتى يستطيع تحقيق طموحه، لأن طريق الطموح قد يكون وعراً وشديد الخطورة، فقال له:
"لا شئ يزينك مثل التواضع والعدل وضبط النفس، فتلك هى الصفات التى اتفق الرجال على أهميتها للبقاء على الطريق الصحيح. وإياك أن تقع فى فخ الغضب، أو الفرح، أو الألم. ابغض المتملقين كما تبغض المخادعين، فكلاهما يؤذى من يثق به بشدة. كن دمث الخلق عذب المعاشرة مع من يتقربون إليك، وإياك أن تتكبر، فحتى العبيد لا يتحملون المتكبرين. كن بطيئاً فى اتخاذ قراراتك، ولكن كن حازماً وسريعاً فى تنفيذ ما عزمت عليه. فأفضل ما يمتلكه البشر هو قدرتهم على الحكم السليم على الأمور، وأعظم ما فى جسد الإنسان هو عقل راجح".
يقولون أن هناك نوعين ممن يصلون إلى المناصب والشهرة، هؤلاء الواثقين بقدراتهم منذ ولادتهم، وأولئك الذين اكتسبوا هذه الثقة ببطء كلما حققوا نجاحاً حقيقياً مرة بعد مرة. والأشخاص من النوع الأخير هم الذين يفاجئون العالم بنجاحاتهم المذهلة.
وقد يتسائل القارئ، إذا كان النوع الأول لا تستند ثقته بنفسه على انجازات ونجاحات حقيقية فمن أين يأتى بثقته. والإجابة هى إنهم يستمدونها من الغرور. ولذلك نرى دائماً التهور يتبعه دائماً سقوط مدوى.
قد يبدوا الأمر غريباً، فينما يخبرنا الحكماء بأن نتحكم فى أنفسنا ونحتكم إلى العقل والمنطق فإن أغلبنا يتربى على العكس تماماً. فقيمنا الثقافية تجعلنا نتحفز بالمناصب ومعتمدين فى ثقتنا فى أنفسنا على قبول الآخرين لنا، وتحركنا المشاعر. ويؤكد المجتمع ليل نهار بأننا قادرين على تحقيق كل ما نركز عليه ونضعه نصب أعيننا. وفى الحقيقة هذا هو ما يجعلنا ضعفاء. فبالفعل أنت تمتلك مواهب ومهارات، ولكن الموهبة هى مجرد نقطة بداية. والسؤال هو: "هل ستكون قادراً بالفعل على استغلالها؟ أم أنها ستكون أسوأ أعدائك؟"
لقد كان شيرمان رجل متصل بالواقع بعمق، إنه رجل جاء من العدم واستطاع أن يحقق أهدافاً عظيمة بدون أن يشعر بالحاجة إلى منصب أو تكريم من الآخرين. بل إنه كان سعيداً لمشاركته فى الفريق الفائز حتى وإن كان ذلك يعنى عدم الشهرة أو تجاهل الآخرين.
إن قدرة الإنسان على تقييم مهاراته أمر هام، ويستحيل أن يطور نفسه بدونه، ولكن الغرور يجعل هذا الأمر شديد الصعوبة. فالتركيز على مهاراتك ومواهبك أمر يسعدك بكل تأكيد، ولكن إلى أين سيوصلك ذلك؟ يجب أن تتدرب على أن تنفصل عن ذاتك، وتخرج من رأسك وتنظر إلى نفسك من بعيد. فالإنفصال هو العلاج الطبيعي للغرور. من السهل أن تركز على ذاتك وتغرم بقدراتك ومواهبك فأى نرجسى يمكنه فعل ذلك. إن الشئ الصعب والنادر ليس هو الموهبة الطبيعية أو المهارة ولا حتى الثقة بالنفس ولكن التواضع والكد والاجتهاد والوعى.

لذلك إذا أردت أن لا يكون عملك مجرد ظاهرة فيجب أن ينبع عن وعى كامل بالحقائق المحيطة بك، وإذا أردت أن لا يكون نجاحك مؤقتاً فيجب أن تجهد نفسك بالتركيز على الأجل الطويل. ويجب أن تتعلم أنه على الرغم من أننا يجب أن نحلم أحلاماً كبيرة إلا أنه ينبغى أن نتحرك ونعيش بخطوات صغيرة حتى نستطيع تحقيق النجاح الذى نحلم به. يجب أن ينصب تركيزنا على الفعل والتعلم ونهمل قبول الآخرين لنا وننسى المناصب. لا ضرر من أن نكون مثل الآخرين لدينا أحلاما ورؤى عظيمة، إلا أننا يجب أن ندرك جيداً أن طريقنا مختلف تماماً عن طريقهم فنحن نعلم أن تركيزنا على قدراتنا وانتظار تشجبع الناس لنا هو أول خطوات الفشل، وأن الغرور هو عدونا فى هذه الرحلة.
(1) تكلم ... تكلم ... تكلم

كتاب أنا حاكم كاليفورنيا وكيف قضيت على الفقر. تأليف أبتون سنكلير
فى حملته الانتخابية الشهيرة عام 1938 قام الكاتب والناشط أوبتون سنكلير المرشح لمنصب عمدة ولاية كاليفورنيا بخطوة شديدة الغرابة. حيث قام قبل الانتخابات بنشر كتاب صغير بعنوان "أنا ... حاكم كاليفورنيا ... وكيف قضيت على الفقر". خطوة غير تقليدية حاول فيها سنكلير استخدام أقوى أسلحته، وهو بلاغته وموهبته فى الكتابة. كانت حملة سنكلير تسير على مايرام، ولكن بمجرد ظهور الكتاب لاحظ المراقبون تأثيره. ليس على الناخبين، ولكن على سنكلير نفسه. لقد فقد بعدها سنكلير اهتمامه بالترشح من الأساس. لقد أصبح الكتاب وقتها من أفضل الكتب مبيعاً، ولكن فشلت الحملة الانتخابية. لقد خرج حماس وطاقة سنكلير مع كلامه ففقد اهتمامه بالعمل. لقد وقع سنكلير فى الإغراء الذى يقع فيه الكثيرون. اغراء استبدال الفعل بالكلام.
إنه الإغراء الذى تدفعنا إليه التكنولوجيا الحديثة دفعاً. بوست جديد على الفيسبوك، أو تغريدة على تويتر، أو إيميل، كل ذلك يطاردنا فى كل مكان وفى كل لحظة من حياتنا، على الحاسب أو الهاتف المحمول .. الخ. فبمجرد أن تقرأ مقالة ما تجد مربعاً فارغ أسفل منها يدعوك لتسارع بكتابة تعليقاً. تدعونا وسائل التواصل الاجتماعى فى كل لحظة لأن نتحدث ونخبر الآخرين "انظروا .. كم أنا رائع، انظروا .. إننى جيد وأقوم بعمل ممتاز". ولكن نادراً ما تكون تلك هى الحقيقة. فالحقيقة هى: "إننى أعانى، أننى خائف، إننى لا أعرف".
فى بداية أى شئ نقوم به نكون متحمسين، ومتوترين، لذلك نحاول أن نطمئن أنفسنا خارجياً بدلاً من أن نتعامل مع خوفنا الداخلى. وفى الواقع العديد من الأشياء القيمة التى نحاول القيام بها تكون غاية فى الصعوبة، ولكن التكلم دائماً أسهل من الفعل.
بل أننا نعتقد أن الصمت علامة على الضعف والخجل والخوف. لذلك نتحدث ونتحدث ونتحدث، وكأن حياتنا تعتمد على ذلك وهذا بالضبط ما يريده الغرور. إنه يريدنا أن نتحدث ونتحدث ونثبت أنفسنا أمام الآخرين.
ولكن الحقيقة هى أن الصمت قوة. فأى شخص يمكنه التحدث عن نفسه. بل حتى الاطفال قادرون على الانهماك فى القيل والقال بسهولة. إذن ماهو الشئ النادر؟ إنه الصمت، إنه القدرة على أن تجنب نفسك الجدال، وأن تثق بنفسك بدن الدخول فى مهاترات. إن الصمت هو علامة الثقة والقوة. بل إن فوائد الصمت ليست فقط مجرد المرونة الاستراتيجية، وقدرتك على تغيير رأيك بدون خوف من الآخرين، والاحتفاظ بأهدافك سراً، واخفاء نقاط ضعفك لمنع الآخرين من استغلالها. ولكن هناك فائدة نفسية عميقة للصمت.
فالتحدث يستنفذ قوة الإنسان، فالفعل والكلام يتنافسان على نفس مجموعة الموارد. ولقد اثبتت الأبحاث أنه على الرغم من أهمية الرؤية الحية للأهداف المستقبلية، إلا أنه بعد فترة يبدأ العقل فى الخلط بينها وبين التقدم الفعلى على أرض الواقع. ونفس الأمر يحدث بالنسبة للكلام. فبعد التحدث عن أمر معين لفترة من الوقت يبدأ عقل الإنسان فى الخلط بين ماتم التحدث عنه وما تم تحقيقه بالفعل، ويبقد قدرته على تحديد مدى التقدم. كما أثبتت الأبحاث أن التحدث مع النفس عند مواجهة مشكلة معقدة يقلل من قدرتنا على إيجاد حل لها. فنحن نحتاج 100% من طاقتنا لتحقيق النجاح، والتحدث يستنفذ جزءاً من من هذه الطاقة التى نحن فى أمس الحاجة إليها. إن العلاقة الوحيدة بين العمل والكلام هى أن أحدها يقتل الآخر.
(2) أن تكون أو أن تفعل

كتاب بويد: الطيار المقاتل الذى غير فن الحرب وعلى غلافه صورته
أحد أكثر الاستراتيجيين تأثيراً على فن الحرب الحديث، هو شخص لم يسمع به أغلب الناس من قبل، يدعى "جون بويد". كان طياراً مقاتلاً عظيماً ولكنه كان مفكراً ومعلماً أعظم. كان يعرف فى المدرسة الجوية بـ "بويد ذو الأربعون ثانية" لأنه كان قادراً على هزيمة أى خصم فى أربعين ثانية فقط أياً كان وضعه.
والسبب فى عدم معرفة أحد به، هو أنه لم ينشر أى كتاب قط، ولم يكتب غير بحث أكاديمي واحد، ولم يصلنا عنه غير بعض الفيديوهات القليلة. بل إنه على الرغم من خدماته الهائلة على مدى أربعون عاماً لم يتجاوز رتبة الكولونيل. ولكن على الرغم من عدم شهرته فإن نظريات هذا الرجل قد غيرت علوم الحروب الحديثة بكل فروعها تقريباً. بل إن المقاتلاتان الجبارتان F15 وF16 اللتان غيرتا مسار الحروب المعاصرة بالكامل كانتا مشروعه المفضل.
كما علم "جون بويد" كل الخبراء العسكريين فى الجيل الحالى. وتأثيره لم يكن من خلال الإجتماعات الرسمية، ولكن تأثيره الأساسى كان من خلال مجموعة التلاميذ الذين تبناهم ورعاهم وعلمهم وألهمهم. لم تحمل أى قاعدة عسكرة اسمه، ولم يطلق اسمه على احدى القطع البحرية العملاقة، وتقاعد ولم تكن لديه أكثر من شقة صغيرة. وكان تقريباً لديه من الأعداء أكثر من الأصدقاء.
هل كان ذلك ضرب من الجنون؟ أم كان كل ذلك متعمداً؟ هل جعله ذلك أكثر تأثيراً؟
الحقيقة هى أن جون بويد كان ببساطة يعيش الدرس الذى يحاول تعليمه لتلاميذه. ولقد قالها بوضوح فى نصيحته لأحد تلاميذه عام 1973:
"أيها الفهد، يوماً ما ستصل إلى مفترق طرق، ويجب عندها أن تختار أى طريق ستسلك. إذا ذهبت من هذا الطريق، ستكون شخصاً ما. ستضطر إلى تقديم تنازلات، وستضطر إلى أن تدير ظهرك إلى أصدقائك. ولكنك ستصبح عضواً فى النادى، وستحصل على ترقيات، وتحصل على تقييمات جيدة. أو يمكنك الذهاب فى الطريق الآخر، وتقوم بفعل شئ ما. شئ لبلدك، ولقواتك الجوية، ولنفسك. إذا قررت أن تفعل شيئاً فربما لا تحصل على ترقية، وربما لا تكتب عنك تقارير جيدة، وبالتأكيد لن تصبح مفضلاً من رؤسائك. ولكنك لن تضطر إلى تقديم تنازلات ولا إلى التخلى عن مبادئك. ستكون حقيقياً بالنسبة إلى أصدقائك، وبالنسبة إلى نفسك، وربما يصنع عملك فارقاً. فى الحياة هناك دائماً لحظات فارقة، إنها اللحظات التى يجب عليك عندها اتخاذ قرار ...
أن تكون ... أو أن تفعل ... فأى طريق ستختار؟"
أياً كان هدفنا الذى نريد تحقيقه، تتدخل الحياة دائماً لتبعدنا عن الطريق وتغير وجهتنا، وبدلاً من أن نسعى لأن نفعل، نسعى لأن نكون. والغرور يساعد فى خداعنا فى كل خطوة نخطوها، لنجد أنفسنا فى النهاية نفعل الباطل تماماً من حيث كنا نريد أن نفعل الحق.
والسؤال الآن هو: كيف نمنع أنفسنا من أن نحيد عن الطريق؟
نحن غالباً نقع فى غرام مظاهر النجاح ونخلط بينها وبين النجاح الحقيقى. ففى حالة جون بويد ينبهر الجميع بالرتب المعلقة على أكتافهم ويخلطون بينها وبين الإنجاز الحقيقى. أما الآخرين فتخدعهم مناصبهم، والمدارس المتميزة التى ذهبوا إليها، وعدد مساعديهم، والسيارات التى يمتلكونها، والرواتب التى يحصلون عليها، وقربهم من الإدارة العليا، أو عدد تابعيهم ومحبيهم. إن المظاهر خادعة، فامتلاك السلطة لا يعنى قدرتك على القيادة، وامتلاكك الحق لا يعنى أنك على حق. وترقيتك لا تعنى أنك تقوم بعمل جيد، ولا تعنى أنك تستحق الترقية. إن إنبهار الناس بك لا يعنى أنك مبهر بالفعل.
يمكن للفضائل أن تفسد بسهولة، وهذا هو مايفعله الغرور، إنه يستبدل ما هو هام بما هو تافه. وبدلاً من أن نحقق ما نفخر به، يدفعنا للتركيز على أنفسنا وعلى صورتنا فى أعين الآخرين، حتى نصبح فى النهاية مجرد أزياء فارغة من داخلها. لذلك عليك أن تقرر، ما هو هدفك؟ ولماذا أنت هنا؟
إذا كان ما تهتم به وتسعى إليه هو أنت، ومظهرك وأحباؤك، ورفاهيتك الشخصية، فطريقك واضح. أخبر الناس بما يريدون سماعه، واسع وراء جذب انتباههم. اقبل الترقيات، واتبع نفس خطوات الموهوبين والمشهورين فى المجال الذى اخترته. قم بواجبك وسخر وقتك له، واترك الأشياء على ما هى عليه ولا تحاول تغييرها. اسع خلف الراتب والمنصب واستمتع بهم عندما يأتوك.
أما إذا كان هدفك هو شئ أعظم منك أنت، وإذا أردت إن تنجز شئ، وإذا أردت أن تثبت لنفسك شئ، فسيتغير الأمر تماماً. سيصبح الاختيار سهلاً لأنك تعرف هدفك بوضوح، فأنت تريد فعل شئ، وليس الحصول على الثناء والتقدير والتميز عن الآخرين. لن يكون السؤال عندها "ماذا أريد أن أكون فى الحياة؟" ولكن "ماذا أريد أن أحقق فى هذه الحياة". وسيصبح الفعل صعباً، فيجب عليك عندها أن تفرق بين الغث والسمين، وأن تتمسك بالطريق وتنجوا من فخ الغرور.
فكر فى ذلك جيداً فى المرة التالية التى تشعر فيها باشتياق لمنصب، فى المرة التى تخلط فيها بين الشهرة والإنجاز. واسأل نفسك وأنت تواجه الإختيار: هل أحتاج فعلاً لذلك؟ أم هو الغرور؟
أن تكون أو أن تفعل – الحياة هى اختبار دائم. فهل أنت مستعد لاتخاذ القرار الصحيح؟ أم أن بريق الجوائز مازال يلمع على البعد فى عينيك؟


